الحضارات التي تأثرت بها الحضارة الإسلامية
حضارات غير عربية :
1- الحضارة الفارسية . 2-حضارة الروم .
الحضارة الفارسية :
الحضارة الفارسية هي إحدى الحضارات القديمة الهامة التي أخذت عنها الحضارة الإسلامية ، و تأثرت بها بعد أن فتح المسلمون بلاد الفرس و ضموها جميعاً إلى دولتهم
و ينسب تطور هذه الحضارة إلى الأسرة الساسانية "آل ساسان" الذين حكموا بلاد فارس مع بداية القرن الثالث الميلادي ، بعد أن هزموا دولة الباراثنيين التي كانت تحكم قبلهم ، و كانت المجوسية الزرادشتية هي ديانة هذه الدولة التي ظلت تدين بها حتى تحول غالب شعبها بعد الفتح الإسلامي لبلادها إلى الإسلام ، و كانت لغة هذه الدولة " الفهلوية " ، و هي اللغة القومية الفارسية .
و لقد أفادت الحضارة الإسلامية من الحضارة الفارسية حين تم التقاء بين الحضارتين في مجالات عديدة و بخاصة في مجال الثقافة و الإدارة و الصناعة و العمارة ، و كذلك في مجال الحياة اليومية فيما يتصل بملبس ومسكن و مأكل .
ففي مجال الثقافة : أثر الفرس في الأدب العربي ، و ظهر هذا التأثير واضحاً في مجال الشعر و النثر . ففي الشعر أحدث الفرس تغييراً في فكر و تعبير ومضمون الشعر العربي القديم ، كذلك في النثر أدخل الفرس البلاغة في فن الكتابة عند العرب . فظهرت عندهم الرسائل الديوانية ، و هي نوع جديد من أنواع النثر عند العرب و أسلوب هذه الرسائل بما فيهامن مبالغات و تفخيم و هو أسلوب فارسي أصيل ، كذلك أخذ عنهم العرب الحكم و الأمثال . و يظهر ذلك واضحاً فيما ورد في كتابي " الأدب الصغير و الأدب الكبير " لابن المقفع الفارسي ، و في كتابي " عيون الأخبار " لابن قتيبة و " العقد الفريد " لابن عبد ربه .
و في مجال السياسة و الحكم : أخذ العرب عنهم نظام الملكية الوراثية في الحكم و استحداث نظام ولاية العهد و نظام الوزارة و الحجابة .
و في مجال الإدارة : أخذوا عنهم بعض الوظائف الإدارية الجديدة ، و إنشاء الدواوين و المصالح الحكومية و تنظيمها تحديد اختصاصها .
و في مجال الزراعة و الصناعة : أخذ العرب عنهم طرق الزراعة و وسائل الري و إنتاج بعض المحاصيل الجديدة مستفيدين من خبرتهم الطويلة في هذه المجالات . أما الصناعة فقد قام العرب بتقليد نماذج الصناعات الفارسية مثل صناعة : الخزف و الصيني و السجاد و الملبوسات المختلفة .
و في مجال العمارة : استحدث العرب الطراز الفارسي في عماراتهم ، و هو طراز فيه الفخامة و الأبهة في البناء و يظهر فيه المتانة و الإتساع .
أما في مجال الحياة الإجتماعية و التعامل اليومي : فقد أخذ العرب عن الفرس الميل إلى حياة الترف و التمتع بمباهج الحياة ، و نقل العرب عن الفرس مجالس الغناء و الطرب ، و مجالس الأدب و تقريب العلماء و الشعراء .
كذلك دخلت في الحياة الإجتماعية للمجتمع العربي بعض مظاهر المجتمع الفارسي فيما يتصل بالمأكل و المسكن و الملبس ، و في الإحتفالات بالأعياد و اتخاذ أنواع جديدة من التسلية .
و لقد برز الكثيرون من رجالات الفرس كأعلام من أعلام الحضارة الإسلامية ، و كانوا من دعامات النهضة الثقافية و الفكرية للحضارة الإسلامية من أمثال : الإمام أبو حنيفة النعمان ، و حماد الراوية الشاعر ، و سيبويه أحد أعلام النحو و اللغة و الآداب و ابن قتيبة و ابن إسحق و ابن سينا الطبيب الحكيم و الفيلسوف المشهور .
حضارة الروم :
و كما أخذت الحضارة الإسلامية عن حضارة الفرس أخذت أيضاً عن حضارة الروم .
و لقد تم الالتقاء الحضاري بين العرب قبل الإسلام و الروم من خلال مراكز عديدة للثقافة الرومية مثل : " الرها " مقر السريان و "حران" مقر الصابئة عبدة النجوم و و"انطاكية" و"الاسكندرية" و كلها مراكز كانت بها مكتبات كبيرة ، و كان بها الكثير من العلماء السريان الذين تزودوا بالمعارف و الثقافة الرومية .
و لما فتح المسلمون هذه البلاد أسلم بعض السريانيين ، و ظل بعضهم على دينه يدفع الجزية ، و نبغ كثير منهم في العصر الأموي ، و ظلت المدارس السريانية مفتوحة في عهد الدولة الأموية ، كما كانت من قبل ، و لما جاء دور نقل الفلسفة ، و العلوم إلى العربية في العهد العباسي الأول كان لهؤلاء السريانيين الدور الأكبر في ترجمتها إلى العربية ، و هكذا نرى أن الثقافة اليونانية تحت يد المسلمين في البلدان المختلفة ، و أنهم أخذوا يستفيدون منها و يتعلمونها على يد السريان .
و الجدير بالذكر أن الاتصال الحضاري بين العرب و الروم لم ينقطع في حالة الحرب و حالة السلم ، و أن التبادل الحضاري استمر بين الجانبين ، و عن طريق الحروب أحذ العرب من الروم نظمهم و أساليبهم القتالية ، و نقلوا عنهم اسلحتهم المتطورة في الجيش و الأسطول ، و في حالة السلم كانت رحلات المسلمين إلى " القسطنطينية " عاصمة الروم تمثل عاملاً هاماً من عوامل نقل الكثير من مظاهر حضارة الروم إلى بلاد الإسلام .
و على أي حال فإن الحضارة الإسلامية ، كما قلنا حضارة لم تنشأ من فراغ شأنها في ذلك شأن سابقاتها و لاحقاتها من من الحضارات ، و بعد أن ثبتت أقدام الدولة الإسلامية و رسخت قواعدها و أخذت في النقل بما يفيدها من الحضارات القديمة الهندية و الفارسية و الرومية ، فإنها بعد ذلك أنشأت حضارتها المتميزة التي أنارت تارخ العصور الوسطى ، وكانت نواة الحضارة الأوروبية الحديثة .