إختيار الصديق لابن المقفع
" اجعل غاية تشبثك في مؤاخاة من تؤاخي و مواصلة من تواصل توطين نفسك على أنه لا سبيل إلى قطيعة أخيك ، و إن ظهر لك منه ما تكره ، فإنه ليس كالمملوك تعتقه متى شئت أو كالمرأة التي تطلقها إذا شئت ، و لكنه عرضك و مروءتك ، فإنما مروءة الرجل إخوانه و أخدانه ، فإن عثر الناس على أنك قطعت رجلاً من إخوانك ، و إن كنت معذراً نزل ذلك عند أكثرهم بمنزلة الخيانة للإخاء و الملال فيه ، و إن أنت مع ذلك تصبرت على مقارته على غير الرضى عاد ذلك إلى العيب و النقيصة .
فالاتئاد الاتئاد ! و التثبت التثبت !
و إذا نظرت في حال من ترتئيه لإخائك ، فإن كان من إخوان الدين فليكن فقيهاً غير مراء و لا حريص ، و إن كان من إخوان الدنيا فليكن حراً ليس بجاهل و لا كذاب و لا شرير و لا مشنوع .
فإن الجاهل أهل أن يهرب منه ابواه ، و إن الكذاب لا يكون أخاً صادقاً ، لأن الكذب الذي يجري على لسانه إنما هومن فضول كذب قلبه ، و إنما سمي الصديق من الصدق . و قد يتهم صدق القلب و إن صدق اللسان . فكيف إذا ظهر الكذب على اللسان ؟ و إن الشرير يكسبك العدو ، و لا حاجة لك في صداقة تجلب العداوة ، و إن المشنوع شانع صاحبه .
و اعلم أن انقباضك عن الناس يكسبك العداوة ، و أن انبساطك إليهم يكسبك صديق السوء .و سوء الأصدقاء أضر من بغض الأعداء . فإنك إن واصلت صديق السوء أعيتك جرائره ، و إن قطعته شانك اسم القطيعة ، و أزمك ذلك من يرفع عيبك و لا ينشر عذرك ، فإن المعايب تنمي و المعاذير لا تنمي ".
التعريف بالكاتب :
هو عبد الله بن المقفع ، كاتب فارسي الأصل ، عربي النشأة ، ولد حوالي سنة 106هـ، و توفي سنة 142هـ ، كان اسمه قبل الإسلام ( روزبه ) و لما أسلم سمي بعبد الله ، نشأ بالبصرة ، و لقب أبوه بالمقفع ؛لأن الحجاج بن يوسف الثقفي عاقبه على بعض مخالفاته فضربه على يديه حتى تقفعتا ( أي تورمتا ) و لذلك سمي " ابن المقفع " .
نشأ في ظل ( بني الأهتم ) الذين اشتهروا بالفصاحة و البلاغة ، فتأثر بهم ، و كان لهم الفضل فيما بلغه من منزلة رفيعة في البلاغة و الأدب .
اتهمه حساده و منافسوه بانحراف العقيدة ، و ربما كان هذا الإتهام من أسباب قتله .
و له آثار أدبية عديدة ، منها كتاب "كليلة و دمنة " الذي يهدف إلى الإصلاح السياسي و الإجتماعي و الأخلاقي و نصح الملوك و الحكام على ألسنة الحيوانات ، و قد نقله عن الفارسية .