الدعوة إلى الاسلام
المرحلة الأولى –الدعوة إلى الإسلام :-
عاود الرسول الذهاب إلى غار حراء مدة و في قلبه شوق لحديث جبريل ، و ذات يوم سمع صوتا من السماء فرفع إليه بصره فإذا الملك الذي جاءه أولا بين السماء و الارض فرجع إلى داره و قال دثروني دثروني ، فنزل قوله تعالى :"يأيها المدثر قم فأنذر و ربك فكبر و ثيابك فطهر و الرجز فأهجر و لا تمنن تستكثر و لربك فاصبر"سورة المدثر و هذا بدء دعوته –صلى الله عليه و سلم-
أخفى الرسول أمره عن أهل مكة و أخذ يدعو إلى عباده الله سراو ينشر نور الإسلام في بيئة انتشر فيها ظلام الوثنية و الشرك بالله .
و قد صدق بدعوته أول من صدق زوجته السيدة خديجة من النساء ثم أبو بكر الصديق و كان اسمه قبل الاسلام عبد الكعبة فلما أسلم سماه الرسول عبد الله ، ثم آمن به علي بن أبي طالب ابن عم الرسول و كان يعيش معه في بيته و هو من الصبيان ، ثم عثمان بن عفان و طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة بن الجراح و الارقم بن أبي الالرقم الذي جعل من داره محرابا للدعوة و مركزا للدعوة سرا للاسلام.ثم دخل بعد ذلك الفقراء و البسطاء في الدين الاسلامي كما دخل عبد الله بن مسعود و أبو ذر الغفاري و خالد بن أبي سعيد بن العاص و كان الرسول عليه الصلاة و السلام يدعو فردا فردا و سميت بدعوة الافراد و سموا بالسابقين الأولين .
المرحلة الثانية –الجهر بالدعوة :-
استمر الرسول عليه الصلاة و السلام يدعو الناس سرا و لما بلغ عدد المسلمين نحو أربعين نزل قوله تعالى "فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين "سورة الحجر فجهر عليه الصلاة و السلام بالدعوة ممتثلا لأمر الله ، متحملا أذى قومه و أخذ يسلك كل السبل في نشر دعوته ، حتى أنه صعد على الصفا يوما و جعل ينادي يا بني فهر ، يا بني عدي –لبطون قريش – حتى إذا اجتمعوا قال عليه الصلاة و السلام :"أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ "قالوا: نعم ما رأينا عليك كذبا ، قال عليه الصلاة و السلام:"فإني نذير لكم بين عذاب شديد "
قال أبو لهب :تبا لك ألهذا جمعتنا ؟فأنزل الله في شأنه "تبت يدا أبي لهب و تب " سورة المسد ثم نزل عليه قوله تعالى "و أنذر عشرتك الأقربين " -سورة الشعراء – و المقصود في الآية الكريمة هم بنو هاشم و بنو مناف و بنو عبد شمس و أولاد عبد شمس و أولاد عبد مناف ، و يقول الله لنبيه موجها "و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون " –سورة الشعراء- و جمع الرسول عشيرته على طعام و قال :"إن الرائد لا يكذب أهله و الله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم و لو غررت الناس جميعا ما غررتكم و الله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة و إلى الناس عامة و الله لتموتن كما تنامون و لتبعثن كم تستيقظون و لتحاسبن كما تعملون و لتجزون بالإحسان إحسانا و بالسوء سوءا و إنها لجنة أبدا أو لنار أبدا "
فتكلم الناس كلاما لينا غير عمه أبي لهب فإنه قال : خذوا على يديه قبل ان تجتمع عليه العرب .
عداوة قريش للرسول و المسلمين:-
أخذت قريش في مطاردة الرسول صلى الله عليه و سلم و أتباعه خوفا منه على مركزها بين العرب و حتى لا يجتمع العرب على دعوته فتعف شوكتهم و زاد حقدهم عليه و على أصحابه عندما سفه آلهتهم و أخذوا يكيدون له و لأتباعه .
روى ابن اسحاق عن عبد الله بن عباس { أن الشركين كانوا يضربون المسلم و يجيعونه و يعطشونه حتى كان لا يقدر على الجلوس من شدة الضرب ليرتد عن دينه و يقول آمنت باللات و العزى } و كان بعض المسلمين يقول كلمة الكفر و قلبه مطمئن بالإيمان فرارا من أذاهم و قد فرق الله بين هؤلاء و بين من ارتد عن الإسلام و انشرح صدره و قلبه للكفر بقوله "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان "-سورة النحل-
و يقول ابن الإثير إن مشركي قريش كانوا يخرجون عمار بن ياسر و أباه و أمه إلى البطح إذا حميت الرمضاء و يعذونهم بحرها فيمر بهم الرسول عليه الصلاة و السلام فيقول :"صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة "و كان أبو جهل إذا سمع بإسلام رجل من ذوي الشرف أنبه و قال :تركت دين أبيك و هو خير منك لتسفهن حلمك و لتقتلن رأيك و لتصفعن شرفك .
ولما مات ياسر من العذاب أغلظت امرأته سمية القول لأبي جهل فطعنها بحربة فماتت و هي أول شهيدة في الإسلام ثم لحقها عمار شهيدا .
إسلام حمزة عم الرسول :-
أخذ المشركون يؤذون رسول الله عليه الصلاة و السلام و أصحابه و كثيرا ماكانت تدور بين المسلمين و المشركين مجادلات و معارك و حدث أن دارت معركة عنيفة بين الصحابة و المشركين في شعب من شعاب مكة و قد وصلت إلى أن تعدى أبو جهل على رسول الله و بلغ ذلك حمزة عم الرسول عليهما السلام عند عودته من الصيد فذهب إلى أبي جهل و وجده جالسا في وسط قوم فضربه بقوة فشج رأسه و قال:" أتؤذي محمد و أنا على دينه " فقال القوم ما نراك إلا قد صبأت ،قال لهم :" و ما يمنعني و قد استبان لي منه و أنا أشهد أنه لرسول الله و أن الذي يقول هو الحق و الله لا أتركه أبدا"
فذهب للرسول و قال : أشهد أنك الصادق فاظهر يا ابن أخي بدينك .و أستمر معه في العبادة في دار الارقم .
إسلام عمر بن الخطاب:-
أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد حمزة بثلاثة أيام ، حين عابه قومه بإسلام أخنه فاطمة بنت الخطاب فذهب إليها في دارها و لطمها على وجهها فسال الدم منه فقالت له :أتضربني يا عدو الله على أن اوحد الله لقد اسلمت رغم أنفك يا ابن الخطاب فما كنت فاعلا فافعل .
أخذته الشفقة و جلس معها و جال ببصره فوجد صحيفة فأخذها بعد أن تطهر فقرأ {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى }-سورة طه- ثم أسلم و توجه إلى رسول الله و أعلن إسلامه في بيت الأرقم ففرح به رسول الله و حزنت قريش كثيرا و أصابتهم كآبة لم تصبهم مثلها من قبل .
حماية أبي طالب للرسول :-
لم تترك قريش محمد و أصحابه بل أخذت تتعقبهم و تطاردهم في كل مكان و كانت في الوقت نفسه تخشى بأس أبي طالب الذي يعطف على محمد صلى الله عليه و سلم ، و لما سفه الرسول آلهة قريش و آباءهم و طعنهم في معتقداتهم خشيت بأس محمد و أتباعه و ازدياد عدد أتباعه ذهبوا إلى عمه يطلبون منه أن يضعون حدا لمحمد و يعرضون عليه العروض ثم يهددونه إت لم ينته سيكون لهم فيه ما يريدون .
فيذهب أبي طالب لمحمد عليه الصلاة و السلام و يحدثه في أمر قريش و ما أجتمعت عليه و يقول له :"إن قومك أنذروني فأبق علي و على نفسك و لاتحملني من الأمر ما لا أطيق " و يرد عليه الواثق بربه المؤمن بدينه و يقول :"و الله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دو نه ما تركته "و ينظر أبو طالب إلى النبي و يقول له و قد لمست هذه الكلمات حبات قلبه :اذهب يا أبن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشئ أبدا.